- يقدم إلينا التاريخ مثلين تجمع بينهما نفس المظاهر والصفات والعوامل والفكرية والاجتماعية..
- يقع أحدها في العصر الوسيط ويقع الثاني في مطلع العصر الحديث ، لكنها رغم التباعد في الفارق الزمني ، يقتربان في أصول التكوين السياسي والطبقي ، وفي صور الحياة الإجتماعية في مظاهرها الخارجية ، والتي يقضم الترف أسسها الداخلية ، ويدفعها التنافس إلى مجموعة حروب صغيرة ، تقضي على سيادة بعضها ، وتضاعف حجم البعض الآخر وينتهي بها الأمر إلى أن تنهار أخيراً أمام القوى الغازية من الخارج .
- هذان المثلان هما : دول الطوائف الاندلسية المسلمة ، ودول عصر الأحياء الإيطالية النصرانية...
-
* التشابه في النهضة :
-
وقد عاشت دول الطوائف الأندلسية زهاء قرن من الزمان ، وعاشت دول الأحياء الايطالية زهاء قرنين .. وأول وأعظم وجوه الشبه بين دول الطوائف ودول الأحياء هو : تعاظم النهضة العلمية في كل منها بشكل أخاذ ساطع ، وذلك بالرغم من سائر العوامل الهدامة السياسية والإجتماعية ، التي كانت تمزق كلتا الكتلتين يومئذ ... - وكما اضطرمت بين الطوائف طوال الوقت تلك الحروب الأهلية الصغيرة ، ووقع فيها تبادل المدن والاراضي ، فكذلك كان الشأن بين دول عصير الأحياء . فقد كانت الحرب تضطرم من آن لآخر بين الأسر المختلفة ذات العصبية والشأن .
-
* أسماء لمعت في دول الطوائف :
-
نذكر في دول الطوائف بعض الأسماء اللامعة في عالم الآداب والعلوم ، مثل : - ( المعتمد بن عباد ، وعمر بن الأفطس ، وابن زيدون ، وابن عمار ، وابن بسام ، وابن باجة ، وابن حيان )..
- ومن نجم في أعقاب النهضة مثل :
- ( بني ، زهر وابن رشد ، وابن طفيل )
-
* أسماء برزت في دول الأحياء :
-
يمكننا أن نذكر كثيراً من الأسماء العظيمة اللامعة مثل : ( دانتي ، وبترارك ، وبوكاشيو ، وميكيافلل ، وميكل انجلو ، ودافنشي ، ورافايللو ، وتشليني ).. - وعشرات بل ومئات من أقطاب الفنون ، التي لم تزدهر في أي عصر من العصور مثل ما ازدهرت في ذلك العصر ، وفي مجتمع الأحياء بالذات .
-
* التشابه في المجون :
-
كانت الحياة الإجتماعية شبيهة كل الشبه بين العصرين ، فقد كان مجتمع الطوائف يحيا حياة حرة مرحة ، سواء في القصور أو لدى الطبقات العليا ، وكان الفساد يغشى كل جوانب المجتمع ، والملاذ الدنيا تغلب على كل الطبقات ، وتنتشر الخمور لدى سائر الناس .. فكانت حياة مادية يغلب عليها الترف والملاذ... - وكان انتشار الجواري والغلمان ظاهرة عامة سواء في القصور أو لدى الطبقات الخاصة ، بل الطبقات الدنيا ، فكانت حياة مادية حرة مترفة طليقة بكل الوسائل والمعاني ، وكانت مثل هذه الموجة من الحياة المادية ، والفساد الاجتماعي الشامل ، تسود مجتمعات عصر الأحياء الإيطالية ، ويجرفها تيار الشهوات ..
- إن هذا الانغماس في الحياة المادية والشهوات الدنيوية ، لم يمنع من أن يضطرم مجتمع الأحياء ، بحركة علمية زاهرة ، وكانت فلورنس في نفس الوقت هي منزل هذه الحركة ، وكان سقوط قسطنطينية عاملاً في ازدیاد هذه الحركة إلى اكتشاف الكنوز القديمة ونقلها ، وكانت فلورنس تقود هذه الحركة وتدعمها ، وكان فن التصوير يجد بالأخص الجهال ومرح الطبيعة والإنسانية ، كما كان يغذيه حب الحياة المادية في نفس الوقت .
- _ أما عصر الطوائف الاندلسية ، فاستوقفتنا نفس الظواهر ، من ازدهار العلوم والآداب في تلك الممالك الصغيرة التي غمرها الترف والانحلال ، واستغرقت في حياة المتاع واللهو ، و في ميدان الشقاق والمعارك الأهلية ، وما من شك في أنه كان ثمة في عهد الطوائف نهضة علمية وأدبية زاهرة ، زخرت بعدد كبير من اقطاب الشعر والأدب ومختلف صنوف العلوم ، وقد كانت قصور بني عباد في اشبيلية ، وبني صادح في المرية ، وبني الأفطس في بطليوس ، وبني هود في سرقسطة ، موئل كثير من الشعراء والأدباء ..
- وكان ثمة علماء عباقرة كثيرون ..
- وكان أمراء الطوائف وقصورهم تشمل أولئك الأدباء والعلماء برعايتها ، فكانت نهضة الأدب والشعر في عنفوانها في بلاط اشبيلية ، حيث كان بنو عباد ، يشملونها برعايتهم ، ويمدونها بعطائهم وتشجيعهم ، فالعلماء يقومون بدراساتهم تحت نفس الرعاية من مختلف قصور الطوائف ، وقد كانت هذه النهضة العلمية المحلية التي ازدهرت في ظل الطوائف فيما بعد ، مبعث هذه النهضة العلمية والأدبية ، التي ظهرت فيما بعد في ظل الحكم الموحدي ، ولمع فيها علماء عباقرة كثر ..
-
* ملخص المقال :
-
تلك هي أوجه الشبه بين عصر الطوائف الأندلسية وعصر الأحياء الإيطالي ، وهي بلا ریب أوجه تحمل كثيراً من الظواهر المتماثلة ، السياسية والإجتماعية والفكرية ، وهي ظواهر يمكن أن نلخصها فيمايلي : - 1_ سيطرة الأمراء الطغاة وما تثيره من الحروب الأهلية الصغيرة .
- 2_ التخاذل في الدفاع عن الوطن .
- 3_ الإنحلال الديني والأخلاقي والإجتماعي الشامل . 4_ اضطرام النهضة العلمية والأدبية الزاهرة ، يرعاها الأمراء الطغاة ويمدونها بالبذل الوفير .
- وقد كانت هذه النهضة في عصر الأحياء أروع ما عرفته إيطاليا في تاريخها الطويل الحافل ..
-
- وأخيراً: إن كان لديك أي اقتراح أو ملاحظة أو إضافة أو تصحيح خطأ على المقال يرجى التواصل معنا عبر الإيميل التالي: Info@Methaal.com
لا تنس عزيزي القارئ مشاركة المقال على مواقع التواصل الاجتماعي لتعم الفائدة.
ودمتم بكل خير.