ماذا تعرف عن عظمة الرجال المتمثلة بالخليفة هارون الرشيد؟

ماذا تعرف عن عظمة الرجال المتمثلة بالخليفة هارون الرشيد؟

  • تمتع الخليفة هارون الرشيد بصفات عظيمة ، كتذلله للعلم وحبه للعلماء ، وإنكاره لشرب الخمر ، فهي صفات جليلة لخليفة جليل ..
  • - صفات الرشيد النفسية :


  • إلى جانب هذه الصفات والمزايا ، كان الرشيد :
  • 1_ رقیق القلب .
  • 2_ سریع المدمعة .
  • 3_ يتأثر للموعظ الحسنة .
  • 4_ يشفق من نفسه التي قد يستبد بها الكبرياء والغرور أحياناً ، ويتضاءل لديها الإحساس بالقمة . 
  • _ فكيف لا يبكي وهي تعلمه أن كل شيء صائر إلى زوال ؟ 
  • _ وكيف لا يعد لإستقبال آخرته بالعمل الصالح يرضى عنه الله والعباد ؟
  • والموت للأحياء كالشهاب الراصد لا يخطىء أحداً ؟
  • _ وبالقطع ما كان الرشيد ليغيب عن ذهنه كل هذا ، ولا ليقصر فيه ، وهو الذي أحاط نفسه بوعاظ يوقظون لديه هذه المشاعر ، وينبهونه کلما نام عنها واطمأن . 
  • - أخلاق الرشيد بالنصوص التاريخية :


  • لقد جاء الكثير من النصوص التاريخية التي تتحدث عن أخلاق الرشيد ، لتعبر في مجملها عن تأثره البالغ بالموعظة ، تلقي على مسامعه فينفعل لها انفعالاً شديداً ، يتحطم معه شموخ الخلافة وجلال قدرها ، وما ذاك إلا لرقة من نفس الرجل ، وتقوى في قلبه ، يخشع للكلمة الواعظة خشوع التائب المنيب إلى ربه .. 
  • - بكاء هارون الرشيد حتى اخضلت لحيته :


  • يقول الطبری : 
  • دخل ابن السماك الواعظ على الرشيد فقال له : عظني ، فقال : يا أمير المؤمنين ، اتق الله وحده لا شريك له ، واعلم أنك غداً بين يدي الله ربك ، ثم مصروف إلى إحدی منزلتين لا ثالث لهما ، جنة أو نار ..
  • فبکی هارون الرشید حتى اخضلت لحيته ، فاقبل الفضل بن الربيع على ابن السماك ، 
  • فقال : سبحان الله وهل يتخالج أحداً شك في أن أمير المؤمنين مصروف إلى الجنة إن شاء الله لقيامه بحق الله وعدله في عباده وفضله ؟
  • فلم يحفل بذلك ابن السماك من قوله ، ولم يلتفت إليه . وأقبل على الرشيد ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أن هذا يعني الفضل بن الربيع ، ليس والله معك ، ولا عندك في ذلك اليوم ، فاتق الله وانظر لنفسك ، فبکی هارون الرشید حتی أشفق عليه الحاضرون ، وأفحم الفضل بن الربيع ولم ينطق بحرف .
  • - مثال آخر يحدثنا به السيوطي :


  •  ثم يسوق السيوطي بين أيدينا شاهدا أخر فيقول : روي أن ابن السماك دخل يوماً على الرشید ، فاستسقی ماء ، فأتی بکوز فلما أخذه ، قال ابن السماك : على رسلك يا أمير المؤمنين ، لو منعت هذه المشربة بكم كنت تشتريها ؟ 
  • قال : ببعض ملكې . 
  • قال : اشرب هنأك الله تعالى ، فلما شربها ، قال : اسألك لو منعت خروجها من بدنك ، بماذا كنت تشتري خروجها ؟ 
  • قال : بجميع ملكي . 
  • قال ابن السماك : إن ملكآ قيمته شربة ماء وبولة لجدير ألا ينافس فيه ..
  • فبکی هارون الرشید بكاءاً شديداً . 
  • - قصة أخرى في بكاء الرشيد :


  • حكى الأصمعي أن الرشيد صنع طعاماً ، وزخرف مجلسه ، وأحضر أبا العتاهية ، وقال له : صف لنا ما نحن فيه نعيم هذه الدنيا ..
  • فقال أبو العتاهية : 
  • - عش مابدا لك سالماً 
  • في ظل شاهقة القصور 
  • فقال الرشيد : ثم ماذا ؟ 
  • فقال : 
  • - فإذا النفوس تقعقعت
  • في ظل حشرجة الصدور 
  • - فهناك تعلم موقعنا
  • ماكنت إلا في غرور
  • فبكى الرشيد ، فقال الفضل بن يحيی : 
  • بعث إليك أمير المؤمنين لتسره فحزنته ..
  • فقال الرشيد : دعه فإنه رآنا في عمي ، وكره أن يزيدنا منه .
  • وإن خليفة يتواضع لله فينشرح صدره للنصيحة اغو الموعظة ، وينقاد لها في خشوع راضياً يتقبلها من أي كان ، وفي أي صيغة وردت ، لدليل على عظمة أخلاق الرجل ووعيه . 
  • وليس بكاء مثله إلا تفسيراً لما تنطوي عليه نفسه من رغبة في الخير ، وتمسك بمباديء الحق والعدل والسير في خطى الصالحين . 
  • - أقوى ما وصف به هارون الرشيد :


  • على أن للعلامة ابن خلدون كلام ينفرد بكونه أقوی ما وصف به هارون الرشید من صفات أخلاقية جامعة ، وأكثر استيعابآ لها ، نجتزىء منه هذا النص حيث يقول : 
  • وأما ما تموه به بعض الحكايات من معاقرة الرشيد الخمر ، واقتران سکره بسكر الندمان ، فحاشا لله ما علمنا عليه من سوء ، وأين هذا من حال الرشيد وقيامه بما يجب لمنصب الخلافة من الدين والعدالة ، وما كان عليه من صحابة العلماء والأولياء ، ومحاورته للفضيل بن عياض ، وابن السماك ، والعمري ، ومکاتبته سفيان الثوري ، وبكائه من مواعظهم ودعائه بمكة وطوافه ، وما كان عليه من العبادة والمحافظة على أوقات الصلاة وشهود الصبح لأول وقتها ؟ 
  • - بين الجد والهزل :


  • ومع ميل الرشيد إلى الفكاهة والغناء ، فإنه لم يكن مسرفآ على نفسه .. 
  • ولم يتخذها غرض يرمي به كما يفعل المتهالكون على اللذة ، وطلاب الإمتاع والمؤانسة ، بل إننا لنجده أشد حرصاً على تطبيق مبدأ ( لكل مقام مقال ) ، ولا أدل على ذلك من هذه الحكاية التي ننقلها عن الطبري بتصرف ، حيث أنه كان للرشید سمير فکه ، يدعي ابن أبي مريم ، لا يكاد يفارقه ، أراد يوماً مداعبته حين سمعه يقرأ في صلاته : 
  • ( وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) ، فقال ابن أبي مريم ، لا أدري والله فما تمالك الرشید أن ضحك ، ثم التفت إليه مغضباً ، وقال : يا ابن أبي مريم ، في الصلاة أيضاً ؟ 
  • إیاك ، والقرآن والدين ، ولك ما شئت بعدها ) ..
  • - وفي ختام المقال نقول :
  • إن هؤلاء المؤرخين ، وهم يدلون بشهادتهم للتاريخ ليقدرون مسؤوليتهم حق قدرها ، فلم يبيحوا لأنفسهم الإنسياق وراء العواطف والأهواء ، أو ينقادوا لأخيلتهم في شهادات زور وفق ما يريدون ، وحرصهم على التدقيق فيما يروون من أخبار وما اشتهروا به من نزاهة ، واعتدال ، كل أولئك يعزز ثقتنا فيهم ، ولا يسعنا إلا أن تصدر عن حكمهم ، ونحن له مطمئنون بما فيه الكفاية ...
  • تلك هي حياة الرشيد الأخلاقية ، عرضنا لها بايجاز ، ولا ندعي أننا أحطنا بها إحاطة السوار بالمعصم ، وما قلناه في الحقيقة لا يمس إلا جوانب قليلة منها . 
  • - وأخيراً: إن كان لديك أي اقتراح أو ملاحظة أو إضافة أو تصحيح خطأ على المقال يرجى التواصل معنا عبر الإيميل التالي: Info@Methaal.com
    لا تنس عزيزي القارئ مشاركة المقال على مواقع التواصل الاجتماعي لتعم الفائدة.
    ودمتم بكل خير.