تفسير القرآن بالقرآن

تفسير القرآن بالقرآن

الحمدلله الذي أنزل كتابه هدى ورحمة للمؤمنين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فإن من رحمة الله تعالى وحكمته أن يسر القرآن للذكر؛ فقال جل شأنه:" ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ". وتيسير الله للقرآن يشمل تيسيرألفاظه للحفظ والتلاوة، وتيسير معانيه للفهم والتدبر، وتيسير هداه للعمل والاتباع. وجعل له علوما متصلة تيسر علينا فهمه ،  ومن تيسير الله تعالى للقرآن تيسير تفسيره، وبيان معانيه، واستخراج فوائده وأحكامه، بطرق يتيسر للمتعلمين تعلمها وللدارسين دراستها. ولهذه الطرق منارات يهتدي بها السائرون وعلامات يميزون بها الخطأ من الصواب، والراجح من المرجوح.

ومن أجلّ طرق التفسير وأحسنها وأرفعها قدرا تفسير القرآن بالقرآن، فالله تعالى هو الأعلم بمراده من كلامه، وإذا تبين تفسير القرآن بالقرآن فهو أرفع درجات التفسير. ولذلك اجتهد العلماء في التماس بيان معاني القرآن من القرآن، فما أجمل منه في موضع بيّن في موضع آخر أو أحيل على بيانه، وإدراك هذا التفسير مما تفاضل فيه المفسرون وتفاوتت مراتبهم فيه تفاوتا كبيرا، غير أنه ينبغي أن يعلم أن تفسير العلماء للقرآن بالقرآن على نوعين:

النوع الأول: تفسير مستنده النص الصريح في القرآن الكريم.ومثال ذلك قوله تعالى:" والسماء والطارق. وما أدراك ما الطارق. النجم الثاقب " فنصّ الله تعالى على مراد البيان بالطارق بأنه النجم الثاقب، وهذا نص صريح في المسألة ليس لأحد قول في مخالفته.

النوع الثاني: تفسير اجتهاديّ غير معتمد على نص صريح في مسألة التفسير. ومثال عليه قول الله تعالى:" حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر" فنزول قوله تعالى:" من الفجر" كان متأخرا عن نزول الآية؛ كما في صحيح البخاري من حديث سهل بن سعد، قال: أنزلت:" وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود" ولم ينزل " من الفجر "، فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجله الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولم يزل يأكل حتى يتبين له رؤيتهما، فانزل الله تعالى بعد ذلك " من الفجر " فعلموا أنه نما يعني الليل والنهار.