الدنيا لغز بين حيرة السلف وعجز الخلف

الدنيا لغز بين حيرة السلف وعجز الخلف

  • تظل الدنيا لغزآ في حياة مسلم هذا الزمان ، حير السلف ، وأعجز الخلف ...
  • ذلك أنه إلى الآن ومنذ حوالي قرنين من الزمان ، منذ استيقظ عالم الإسلام على عصر ما بعد النهضة يطرق الأبواب ، ويخطف الأبصار ، فإن حيرة المسلمين في شأن هذه الدنيا الجديدة لم تتوقف ...
  • حتی كادت تصبح لغزآ صعب الحل ، ومحاط بالمخاوف والشكوك ، وبدأ طريقها مسکون بالأشباح والعفاريت ، الذاهب إليه مفقود ، والناجي منه مولود ...
  • * المواقف وردود الأفعال :


  • وفي مواجهة هذه الدنيا اللغز ، تراوحت المواقف وردود الأفعال ، بين الإعتزال والخصام والتمرد ، وتوجد أسر كثيرة احتسبت الله في أبناء لها اختفوا منذ سنوات . هاجروا إلى الجبال والشعاب والمغارات وانقطعت أخبارهم ، أو هجروهم بعدما انقلبت حياتهم وهم في بيوتهم فلم يعودوا يكلمون أحداً ، ولا يعرفون أحداً .
  • أغلقوا على أنفسهم الطريق بين المسجد والبيت ، فلا يقرأون صحيفة ، ولا يستمعون إلى إذاعة ، ويستعيذون بالله من التلفزيون ، ويلعنون الذاهب إلى السينما ، ناهيك عن المسرح ! 
  • * مواقف بعض الشيوخ :


  • وتوجد شيوخ ۔ أکثر تقدم - يجيزون الإستماع إلى نشرات الأخبار فقط في الإذاعة ، ويضبطون أنفسهم وأناملهم بحيث يديرون مفتاح المذياع في اللحظة التي تنتهي فيها المقدمة الموسيقية ، تجنباً للاستماع إلى « أصوات الشيطان » ، في اللحن المميز للنشرة الإخبارية وهؤلاء ، حصروا أنفسهم في مسائل اللحى ، وأغطية الرؤوس ، والثياب القصيرة والضيقة ، والمستور والمكشوف ، والمسواك والسجائر ، والطيب والحناء .. وما إلى ذلك ....
  • * الصحوة الإسلامية :


  • ولو أن الأمر بقي مقصوراً على مواقف ومخارج اختارها الأفراد لأنفسهم ، لما كانت هناك مشكلة كبيرة ، إذ الإختيار مسؤولية كل فرد في النهاية ، له غنمه وعليه غرمه ، ولكن المسألة أصبحت أكثر تعقيد و خطر . 
  • فهذه التيارات ، صارت تصنف الآن باعتبارها مظهر من مظاهر المد ، والصحوة الإسلامية المعاقة وأيا كانت التسمية ، فإن الخطير في الأمر أن هذه الشواهد في مجموعها تحمل في طياتها بذور دورة الإنسحاب الثاني لمسمى العصر الحديث ، في مواجهة الحضارة الغربية ، بفکرها ومستحدثاتها..
  • * استيقاظ المسلمين بعد سبات :


  • لقد كان الإنسحاب الأول مقترنآ بتلك المرحلة التي استيقظ فيها عالم المسلمين ، بعد سبات دام خمسة قرون ، على طلائع الحضارة الغربية ، تدق قلاعهم الناعسة بعنف ، بلغ ذروته طوال القرن التاسع عشر ، في ذلك الوقت ، عاش المسلمون حالة من الحيرة والخوف والقلق البالغ . 
  • * قول عباس العقاد :


  • في هذه الفترة ، يقول عباس العقاد في كتابه « الإسلام في القرن العشرين » :
  • " كان الإسلام کما يفهمه الجهلاء ، مزيجاً من الخرافة والشعوذة والطلاسم والأوهام ، ومن الوثنية وعبادة الموتی .. 
  • كان بعض المتعالين من أدعياء المعرفة ، يحكم بكفر القائلين بدوران الكرة الأرضية ، ولا يتردد في تكفير من يسميها کرد "..
  • وفي هذه الفترة ، يضيف العقاد :
  • " كان طلاب الفتاوی من مشارق الأرض ومغاربها ، يسألون عن الكبريت هل يجوز مسه ؟ 
  • وهل يجوز قدح النار منه ؟
  • وطبخ الطعام على تلك النار ؟ 
  • أو يأثم من يمس « صنفرته » - الجانب الخشن الذي يحك به عود الكبريت لإشعال النار - لأنها نجسة تنقض الطهارة ؟! 
  • * مقال الإمام محمد عبده :


  • وعن تلك المرحلة ، كتب الإمام محمد عبده مقال بعنوان : 
  • ( الإسلام اليوم والاحتجاج بالمسلمين على الإسلام ) ( الجزء الثالث من الأعمال الكاملة ) :
  • " هل غاب من الأذهان ما كان ينشر في الجرائد ( بأقلام بعض علماء الأزهر ) ، في استهجان إدخال علم تقويم البلدان ( الجغرافيا ) ضمن العلوم التي يتلقاها طلبة الأزهر ... على اعتبار أن تدريس الجغرافيا يستهدف الغض من علوم الدين ، وفي تساؤل آخر كتب الأستاذ الإمام : ألا يتخيل المتأمل أنه يسمع من جوف المستقبل صخبآ ولجبآ ، وضوضاء وجلبة مضطربة ، إذا قيل أنه ينبغي لطلبة الأزهر أن يدرسوا طرفاً من مبادىء الطبيعة ، أو محصلوا جملة من التاريخ الطبيعي ؟ 
  • ألا تقوم قيامة المتقين ؟ 
  • ألا يصيحون أجمعين أكتعين أبتعين : هذا عدوان على الدين ؟ 
  • * الجدل بين علماء الأزهر :


  • في دراسة تحت عنوان « العرب والغرب » ، صورة مفصلة للجدل الذى أثير في أواخر القرن الماضي بين علماء الأزهر حول ارتداء البنطلون ، وحذاء الفرنجة الأسود ، الذي قال بعضهم أنه مخالف للسنة ، التي لم تجز للمسلم أن يتخذ من النعال سوى الحمراء والصفراء ...
  • وما رواه الشيخ حافظ وهبة في كتابه :
  • « جزيرة العرب في القرن العشرين » ، من أن أول ساعة دقاقة وردت إلى نجد في أواخر القرن الماضي ، حطمت لإعتبارها من عمل الشيطان ، وكيف اعتبرت آلات البرق ناشئة عن استخدام الجن ، ثم كيف احتاج استخدام الحاكي إلى فتوى ، بل كيف رفض المسلمون فكرة طباعة المصاحف « للإعتقاد بافتقار مواد الطباعة إلى الطهارة ، وعدم جواز ضغط آيات الله بالآلات الحديدية » 
  • * وفي الختام :


  • هذه الانطباعات عاش عالم المسلمين صدمة الإستيقاظ من السبات الطويل ...
  • كانت كلمة « إقرأ » هي أول ما نزل على النبي ( ص ) من قرآنهم ، احتاروا في نهاية الأمر : هل يطبعون المصحف أم لا ؟
  • والمسلمون الذين أفرزت حضارتهم إنجازاً مثل الإسطرلاب وساعة هارون الرشيد المهداة للأمبراطور عمران ، أصيب أحفادهم بالذعر عندما رأوا الساعة الرقاقة في القرن التاسع عشر ، لأنها من عمل الشيطان ...
  • والمسلمون الذين قدموا للعالم إضافات باهرة في مختلف فروع العلوم ....
  • هؤلاء المسلمون ، خلفوا أجيالاً احتاجت إلى فتاوى شرعية لتدريس الحساب والطبیعیات والجغرافيا ، مفارقات مدهشة ، يكاد لا يصدقها عقل ، ولكنها الحقيقة المحزنة والمفجعة ..
  • - وأخيراً: إن كان لديك أي اقتراح أو ملاحظة أو إضافة أو تصحيح خطأ على المقال يرجى التواصل معنا عبر الإيميل التالي: Info@Methaal.com
    لا تنس عزيزي القارئ مشاركة المقال على مواقع التواصل الاجتماعي لتعم الفائدة.
    ودمتم بكل خير.