ما دور العرب في ملحمة جورجيا قديمة ؟

ما دور العرب في ملحمة جورجيا قديمة ؟

  • ​​​​​​أشهر ملحمة جورجية قديمة هي ملحمة ( البطل في جلد النمر ) لشاعر جورجيا الأكبر ومجدها الأدبي شوتا روستافيلي..
  • شوتا روستا فيلي واحد من المفكرين المستنيرين في عصرهم ، المتحمسين لوحدة البلاد ووجودها الوطني المستقل ، بعيداً عن تدخلات الآخرين ، وقد نشأ روستافيلي في القرن الثاني عشر ، في أسرة فقيرة ، وكان عصامي ، استطاع أن يشق طريقه بنفسه ، ليصل إلى بلاط ( تامار ) ملكة جورجيا آنذاك ، ويغدو أحد رجال دولتها ...
  • ولأنه كان يؤثر الشعر والكرامة ، والشرف ، على أي شيء آخر ، وقع له ما يقع للفنانين الحقيقيين في مثل هذه الحالات فهجر البلاط الجورجي ، ليقضي حياته بين ظهرانينا ، نحن العرب ، مترهبا في دير الصليب المقدس في فلسطين ، وبعيداً عن دسائس رجال البلاط ودهاقنة الإقطاع .
  • * ملحمة روستا فيلي :


  • يتخیل روستا فيلي في ملحمته ، « البطل في جلد النمر » التي أشرنا إليها ، ملك للعرب يسميه ( روستيفان ) ، ينصب ابنته ( تیناتین ) على العرش ، وهو في قيد الحياة ، وهذا الملك قائد عام ، هو شاب شجاع اسمه :
  • ( أفتاندیل ) ، وثمة مملكة أخرى تقابل مملكة العرب في مملكة الهند ، تحت حكم ملكها الجورجي ( بارسادان ) ، الذي كان قائده العام يدعی ( تاريل ) ، ومثلما كان ملك العرب بلا ولد ، كذلك كان ملك الهند ، فليس له سوى ابنته ( نستان ) ويقع افتانديل في حب تيناتين مثلما يقع تاریل ، بالمقابل ، في حب نستان ، ويتم لقاء بين أفتاندیل وتاريل يسفر عن صداقة متينة ، أصبحت أمثولة للأجيال ، ونفهم من تضاعيف الملحمة أن افتاندیل يحب ملیکته تينانين ، مثلما يحب تاریل نستان ...
  • وتمتد القصة إلى خطف نستان ، معشوقه تاریل ، بدسيسة من أخت الملك - عمة نستان - فيمتحن تاریل امتحانآ كبيراً ، ويعاني معاناة بالغة ، لكنه يكشف عن ضعف عاطفي ، مقابل صلابة افتاندیل ، القائد العربي ، لكن الأخوان ، والأصدقاء قد يكشفون في الشدائد والمحن ...
  • وهكذا يهب افتاندیل العربي لمساعدة صدیقه الجورجي تاريل ، فيبحث عنه في كل مكان إلا ان هذا اختفى ، هائمآ على وجهه في الفيافي والوهاد كقيس المجنون . وهناك يكون قد بارز الأسود والنمور فتغلب عليها ، ودانت له ، لكن تاريل يظل رمزاً لقيم الصداقة حتى في عالم الطبيعة بعيداً عن دسائس البشر ومكائدهم .
  • * العناصر الأساسية للملحمة :


  • إن العناصر الأساسية لمضمون ملحمة البطل في جلد النمر ، وهي تذكر ملحمة جلجامش وصديقه ( انکیدو ) ، فثمة كثير من أوجه الشبه بين ( انكيدو ) و ( تاریل ) وبين ( افتاندیل ) و ( جلجامش ) .
  • ومن ناحية اخرى فإن هذه الملحمة تذكر بملحمة . « الشاهنامة » للفردوسي ، إلا أنها تظل جورجية أصيلة ، بالرغم من تأثر مؤلفها روستافيلي بالفردوسی کما تذکر ، في أن الجوهر ، بأشعار ( رسالة الغفران للمعري ) ، وأشعار جلال الدین مولوي ، وبكثير من شعر الشرق ، الذي يمجد العقل والحكمة ، وقيم الحرية ، والبطولة ، والوفاء ، والاخلاص ، والصداقة الحقيقية والحب الأصيل ، والدفاع عن الحمى ، والذود عن الوطن . 
  • * الرأي بجوار الشجاعة :


  • ليست الشجاعة وحدها بكافية ، إذ لابد من الرأي معها ، فللرأي المقام الأول وللشجاعة المحل الثاني ، كما يقول المتنبي العظيم :
  • ( الرأي قبل شجاعة الشجعان هو أول ، وهي المحل الثاني )..
  • وهكذا يفعل روستافيلي الجورجي في ملحمته هذه حيث يجعل بطلة العربي افتاندیل يستثمر كل الأسلحة القوة حيث تنفع القوة ، والدهاء حيث يغني الدهاء ، وموقف روستافیلي تجاه الحب مرتبط بموقفه تجاه المرأة ..
  • والحب عند روستافيلي عذري کحب بني عذرة عند العرب ( جميل بثينة ، وكثير عزة ، وقيس ليلى ) ، والحب عند روستافيلي هو كالبطولة ، اازمة الحياة الأساسية ، ويفهم الشاعر الجورجي روستافيلي مجنون العشق عند العرب على أصيل متعاطف ، ويقدمه لقارئه أو سامع ملحمته إنساناً مستعداً للتضحية بحياته من أجل المعشوق ..
  • يدعى مجنون العشق ، عند العرب ، ذلك المحب الذي ينشد الكمال ويسعى إليه أبداً مجنوناً ب مختلطآ ، ذلك أن نشدان القمم الشامخة يضني البدن ويجعل المرء ذاهل عن كل شي..
  • * الحب قضية كبيرة :


  • الحب الحقيقي الأصيل قضية كبيرة ، وليس قضية صغيرة ، تافهة ، كما يعكس ذلك المحبون ، التافهون ، الذين يغيرون الحبيب ، مثلاً يغيرون القفازات ، أو کما تغير الأفعى جلدها ، ومن شأن القضايا الكبيرة اغن تغني الروح على حد سواء ، وكما يقول المتنبي :
  • وإذا كانت كبارا
  • تعبت في مرادها الأجسام
  • وإن أصول العشق ، وتقاليد الحب والصداقة واحدة لدى العرب والجورجيين ، فإن لوعة مجنون العشق الجورجي توازي لوعة مجنون العشق العربي .
  • * مدح روستافيلي للصداقة :


  • ويشييد روستافيلي بمثل الصداقة والوفاء بالعهد والشهامة العربية ، و يجعل ملكة بلاد العرب تيناتين تحمل حبيبها الفارسي العربي أفتانديل على أن يمضي للبحث عن صديقه الجورجي العاشق الهائم في البرية تاريل :
  • _ لا تفهمي الكلمة التي منحتها لصديقك ، عد إلى الهائم وأنجز وعدك ..
  • إهده الأمل .. وامنحه طريقآ إلى الحبيبة ..
  • ولا تلبث أن تلتحم المعاناه لديها بمعاناة الآخرين ، فالحب واحد ، معاناة واحدة ، و قضية واحدة مشتركة :
  •  ولكن آه لي .. فحين تمضي أنت ، يا شمسي يستحيل النور الذي عندي إلى ظلمة ..
  • * تمجيد قيم الحرية :


  • وقد مجد شاعرنا الجورجي ، شوتا روستافيلي ، إضافة إلى ماسبق ، قيم الحرية والتكافل والمشاركة الإنسانية لدى العرب ( أو المسلمين عموماً ) . 
  • ومثل هذه المشاركة في لون من ( الإشتراكية البدائية ) ، التي كانت في صميمها ، تعاطفاً مع المظلومين ، والفقراء ، وهي امتداد لمنطق ثورة الإسلام العربية ، ومثلها الراديكالية ..
  • منها أن ( أفتاندیل ) العربي يوصي بتوزيع ثرواته ، في حال وفاته ، بين الفقراء ، وبحل مشاكل المظلومين ، والمعذبين في الأرض ( وبالشكل الذي يسمح به روح العصر ، آنذاك طبعاً ) : 
  • _ " ثرواتي لا يحصيها أحد ... وزعها بين من لا يملكون المأوى واعتق العبيد ... وأخفض جناح الرحمة للفقراء .. فسيذكرني بالحمد كل من سيملك سقفاً فوق رأسه ..."
  • * وفي الختام :  


  • هكذا قدم شاعرنا الجورجي شوتا روستافيلي العرب ، وعلى مثل هذا الإشراق والروعة كانت صورة العربي في الأدب الجورجي القديم . 
  • والحق فإن صورة العربي كانت مشرقة ، عموماً ، مثلما كانت الموضوعة العربية غنية حافلة ليس في الأدب الجورجي ، فحسب بل في عديد من الآداب العالمية ( کالأدب الإرمني ، والأذربيجاني والأوزبكي ، والطاجيكي ، والروسي ، والأوکراییني ، والهندي ، والصيني ، والياباني ) ..
  • وكذلك في كثير من الأدب الأوربي أيضاً ، وإن دل هذا على شيء ، فإنه يدل على عمق معطيات الحضارة العربية ، وأصالتها ، وأصالة أدبها وثقافتها ، وأصالة قيمها التي تتغلغل في الأرواح والنفوس في شعوب الشرق والغرب ، على حد سواء
  • - وأخيراً: إن كان لديك أي اقتراح أو ملاحظة أو إضافة أو تصحيح خطأ على المقال يرجى التواصل معنا عبر الإيميل التالي: Info@Methaal.com
    لا تنس عزيزي القارئ مشاركة المقال على مواقع التواصل الاجتماعي لتعم الفائدة.
    ودمتم بكل خير.